الإنتخابات والأحزاب العربية


الأحزاب العربية كأحزاب يسارية والناخب اليساري


بشكل عام الأصوات التي تحسم الأنتخابات هي الأصوات الطافية، الأصوات التي لم يقرر أصحابها مصيرها بعد. وعادة ما تكون هذة الأصوات حصة اليسار من الأصوات ان ترنحت يمينا او أمتنعت عن المشاركة خسر اليسار الأنتخابات وان شاركات زادت من أحتمالات نجاحه. ان الأبحاث التي تقارن نهج اليسار الليبرالي مع اليمين المحافظ تجد ان اليمين المحافظ قلما ترنحت أصواته وعادة يحافظ اليمينيون على سلوكيات نمطية تقليدية، أجتماعيا أقتصاديا وسياسيا، في الحياة اليومية كما في صندوق الاقتراع. من هنا فأن عملية حسم الانتخابات تتعلق باليسار المترنح وبرفع نسبة المشاركة بالانتخابات عامة فكلما أزداد عدد المشاركين بالأنتخابات كلما أزدادت نسبة اليساريين في صناديق الأقتراع.

الناشطين في الأحزاب اليسارية يبذلو جهد كبير قبل الإنتخابات لحث الناخبين على المشاركة في عملية الأقتراع، لكن قد يسهو هؤلاء الناشطين، بالاخص محليا، عن ان ما يدفع الناخب اليساري للمشاركة بالأنتخابات هو أنتمائه الفكري وليس أنتمائه الجماعي الطائفي او العائلي او القومي.

الأحزاب العربية المشاركة في الأنتخابات للبرلمان الأسرائيلي تقع صدفة على يسار الخارطة السياسية، والتمعن في نهج هذة الاحزاب وتطلعاتها يدل على يمينية فكرية ربما أسؤ من يمينية الأحزاب الصهيونية. فها هو اليسار العلماني يخلق مقدسات جديدة، "الفكر اليساري المقدس"، ولا يقف امامه اي رادع ليحول بينه وبين أستعمال اي من الطرق الدكتاتورية والقمعية لفرض هذا "الفكر اليساري" على "المواطن الساذج"، الذي لا يفهم بالقومية ولا بالوطنية ولا باليسارية. بل وتفرض عليه هذة الأحزاب اليسارية وصايتها لأنه مواطن قاصر، عاجز عن فهم الواقع، وعاجز عن رؤية حقيقة الأمور فهو لا يلبس نظارات يسارية، وبهذا فهو عاجز عن التفكير المنطقي، لانه وبكلمات أخرى "مواطن غبي" كما تراه هذة الأحزاب الأبوية. واذ لم تسعفها الدكتاتورية والقمعية لن تترد هذة الاحزاب بتبني نهج اليمين من ارهاب وترهيب للناخب حيث يتم الترهيب من الأخر ومن المستقبل الدامس الذي ينتظر الناخب والمجتمع إن لم تصل هذة الاحزاب الى البرلمان.

من هنا فيمكن القول انه يسار الاحزاب العربية فقدت البوصلة ومن زمان.
فهل ينتخب الناخب اليساري قيادة سياسية يمينة متخفية في لباس اليسار؟!
هل ينتخب اليساري لأنه عربي فينتخب العرب ام ينتخب مع ما هو في مصلحة المجتمع؟! هل الأحزاب العربية اليوم تخدم مصلحة المجتمع الذي تعيش فيه وهل هي قادرة على قيادة هذا المجتمع الى مكان أفضل؟! وحيال موقف هذة الاحزاب والثورة السورية يصح التساؤل كيف ستقوم هذة الأحزاب بالتعامل مع أنشقاق سياسي في المجتمع العربي؟! هل تستطيع هذة الأحزاب بقياداتها السياسية اليوم التعالي على الانشقاقات الداخلية وتوحيد الناس وجمعها بمراضاة الخواطر وتهدئة النفوس ام ستقوم هذة القيادات اليسارية المنتخبة بسفك دماء المعارضين والحذو على خطى بشار؟!!

الأحزاب العربية اليوم لا تريدك ان تكون يساري، كل ما تريده منك هو صوتك في صندوق الاقتراع. لا تفكر ولا تحسبها كل المطلوب منك هو ان تسير بشكل أعمى خلف "الفكر اليساري المقدس" وخلف أنبيائه وخلفائه وان حالفك الحظ بتكون خليفة بيوم من الأيام، وبتقعد بالكنيست وبتتربع وبتهز باجريك للانتخابات الجاي.

ان كنت يساري ما تصوت لأحزاب يمينية تتخفى تحت غطاء اليسار.
ان كنت يساري فكر بمجتمعك فكر بانه أكثر من كرسي بالبرلمان المجتمع بحاجة لقيادة واعية وحكيمة.
ان كنت يساري ما تطلع على هذة الانتخابات كانتخابات للكنيست، يعني خمس كراسي ولا ست كراسي ولا سبعة شو أفرقت؟
ان كنت يساري فكر انه بالوقت الحاضر ما في عندك غير هالمنظومة حتى تختار من خلالها قيادة، واذا لم تجد من القيادة ما يرضيك ويتلائم مع فكرك مش مجبور تختار. ما تختار حزب يعمل فيك الهوايل ويقول انا منتخب من قبل الناس. ما تختار حزب بعتمد على الترهيب والتخويف بأسم المؤامرات وبعطي يد للعتمة وللضبابية ولتجهيل الناس.
ان كنت يساري وقف وقول مش هاد هو اليسار.

الأحزاب العربية والأنتخابات

 

الأحزاب العربية ترى الأنتخابات كحدث في نقطة زمنية محددة تحشد فيها كوادرها وتحشد فيها الشارع العربي، لا أكثر ولا اقل. يحثوا المواطن خلال هذة الفترة على المشاركة بالأنتخابات لانه حسب أدعائاتهم وصولهن للكنيست مهم لأنه يمنع تشريع قوانين عنصرية. اه شفنا كثير قديش منع.

وصول الاحزاب العربية للكنيست اليوم ليس له اي قيمة او نتيجة سوى المنصة التي تعطى لمندوبي هذة الاحزاب وهم اصلا في غنى عنها فلهم من المنصات الكثيرة القادرة على توصيل الصوت الحقيقي للجماهير العربية بشكل افضل.

وهي نتفة هالمعاشات اللي بتنزاد على ميزانية الحزب وبتغاوشو عليها مين بدو يفوز فيها وكيف بدهن يوزعوها ويقسموها مين النص الاول ومين النص التاني ومين ثلث ومين ربع ومين يا دوب نتشة صغيرة وما طال. غير هيك ما جايبة هالانتخابات لا نتيجة ولا فايدة. والأحزاب لسا الها دور كثير مهم في حياة المجتمع الفلسطيني بالداخل، لكن ما في فائدة من وجودها بالكنيست. 


ليش لازم عن طريق الكنيست؟ ممكن بطرق أخرى مختلفة وممكن نجاعتها وتأثيرها على حياة الناس يكون كثير أكثر من هالكنيست اللي مش جايب همه وكلهن بركضو وراه.

اذا بتفكر انه لازم تتغير قوانين اللعبة، الأحزاب العربية ما راح تغير بمبادرتها الذاتية لانها مبسوطة بالمحل اللي هي فيه. تعودت كل حزب ثلاث كراسي وان أربعة بكون نجاح عظيم. افرض انت التغيير اللي بدك اياه طلع الاحزاب العربية من اللعبة وخليهن ينجبرو يدورو على حل جديد.

لانه اكيد ان خسرو مش راح يروحو على البيت ويقعدو ويحطو اجر على اجر، لاء، اكيد راح يتحركوا أكثر عشان يلاقو طريقة تانية \ منظومة تانية وحل جديد.

فش اهون منها، ورقة بيضاء. لا انت مصوت لحزب صهيوني، ولا انت مقاطع للدولة، ولا انت مواطن كسلان ما رحتش على الانتخابات. انت بس بتجبر العرب يدورو على حل تاني. اما اذا بدك تقاطع الدولة انت حر بتقدر ما تصوت ابدا.

بقولوك هيك بتعطيها هدية لأحزاب اليمين المتطرف، وبتخطي اول خطوة نحو الترانسفير.
ويعني ليش تقول وجودنا بالبرلمان راح يمنعه لهالترانسفر!!!

صوتك بالأنتخابات هو تكتيك سياسي لانجع طريقة بتشوفها لتستعمل فيها هالقوة الصغيرة الموجودة بصوتك.

ممكن هالفترة تسمع انه الأحزاب العربية بدها تتوحد وممكن بعض الاحزاب تستعمل ورقة النساء حتى تجذب الاصوات لكن اكيد هالمرة حتى لو توحدوا وحتى لو حطو عشر نساء خلص فرطت اللعبة. واكيد راح يحطو لانه الغرقان بتعلق بقشة، بس خلص بكفي بدنا ملعب تاني طابة تانية ولعبة مختلفة.

وهاي لسا ما حكينا انه كوادر الأحزاب هاي منقسمة على حالها ومش عارفة تقرر هل هي مع الأنظمة الدكتاتورية ومصالحها السياسية في المنطقة وهل بتشوف انه القمع والبطش والقتل والسفك هي وسائل شرعية للوصول الى اهدافها وللمحافظة على معادلة سياسية معينة في المنطقة ولا هي بتشوف حرية واستقلاية الشعوب المنبثقة عن حرية واستقلالية افرادها كمبداء فوق كل شيء. لاء بقولوك: اذا هدول مع اميركا اذبحهن. لكان بكرا شو بدهن يعملوا فينا؟!

وما بحكي عن السنة الاخيرة اللي تحولت فيها الثورة الى ثورة مسلحة مدعومة من انظمة لها مصالح مختلفة، انما بحكي عن الثورة في بدايتها لما كان لسا ممكن تدارك الوضع فيها، النظام اختار البطش بالناس ونص كوادر هالأحزاب ما شاءالله وقفت مع النظام.

خياراتك في الانتخابات القادمة

 

اولا واضح اني بحكي عن ايجاد منظومة سياسية مختلفة عن المنظومة اللي حاصرين حالنا فيها اليوم، في كان اقتراحات عينية بديش اخوض بأي منها هون بس في عنا امكانية لحث القيادة والناس اللي عندها طموحات سياسية وقيادية انها تجتهد في هاد المجال وتجدد وتوّجد بدائل.

ثانيا الاستياء هو مش بس من الأحزاب السياسية العربية انما من تحييد قدرتنا على التأثير من خلال النظام البرلماني. يعني في الامور اللي بتهمنا وبدنا نأثر فيها بتم رفع نسبة الحسم الى 70-80% وهيك عمليا بتم تحييدنا. فالأستياء هو كمان من الأحزاب العربية وكمان من النظام.

والسؤال هو شو منعمل حيال الأستياء من النظام وهون في عندك عدة خيارات كل واحد منها اله تفسيراته المختلفة التي سوف تُأول فيما بعد من قبل الأعلام والسياسيين ولازم كل واحد فينا يفكر شو هو الخيار تبعه وكيف راح يُستغل\يُفسر بالشكل اللي بتلائم اكثر مع موقفه واهدافه.

الخيار الأول: ما تشارك ابدا في الأنتخابات - ما تطلع من بيتك او تطلع وتروح مشوار - هون ممكن يفسر كأنك انت معارض للدولة (على نمط احزاب اخرى تمتنع دائما عن المشاركة بالانتخابات) او انك مواطن كسلان ومش واعي لدورك ول"مسؤلياتك" كمواطن ومش مفرقة معك. على اي من التفسيرين راح تُعد عدم مشاركة العرب بالأنتخابات يعتمد على اللي بفسر وبأي صورة بحب ان يُظهرنا، ممكن نِظهر كمجرد ناس خاملين او كناس رافضين الدولة من أساسها. وما الك سيطرة على الشكل اللي راح يعرضوك فيه، كل واحد راح يفسرك على كيفه.

الخيار التاني: انك تروح تصوت وتصوت يسار صهيوني او يمين صهيوني - زي ما كثير ناس بتعمل حسب وين بتصب مصالحها الشخصية\الفئوية ومش مفرقة معها. واللطف الأمريين هو طبعا اليسار الصهيوني رغم كونه ابدا مش لطيف.

الخيار الثالث: انك ترد على الأحزاب وتروح تصوتلهن زي ما دايما منروح منصوتلهن لانه بخوفونا واذا ما صوتنالهن ايشي كثير فظيع راح يصير. وطبعا جزء من هاد الخيار راح تسمع الأحزاب بتحكي عن ائتلافات وفكرة الحزب الواحد ومقاعد سوف تخصص للنساء والنسويات راح يتناقشو كمان مرة بموضوع الكوتا (تخصيص مقاعد لفئة معينة من الناس) كانه ما في عنا كوتا طائفية والخ الخ الخ وكل الدواوين هاي اللي حافظينها وبالأخر منطلع ننتخب وبترجع المياه الى مجاريها وبرجع كل واحد على بيته المطفوس مطفوس والمبسوط وفرحان مبسوط وفرحان، وزقف زقف، وتيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما اجيتي.

الخيار الرابع: هو انك تروح وتصوت ورقة بيضاء - عمليا بالورقة البيضاء انت بتنفي كونك مواطن خامل، وبتنفي كونك رافض للمشاركة السياسية في الدولة من اساسها وبتعلن عدم ثقتك بأي من الأحزاب الموجودة العربية وغيرها. الورقة البيضاء بتضر كثير بالأحزاب الصغيرة لانها بتنحسب بالقاعدة اللي بتنحسب منها نسبة الاصوات بس لا تعد ولا على اي حزب. فعمليا أختيارك للورقة البيضاء بأثر سلبيا على الاحزاب العربية مرتين، المرة الاولى بانهن ما اخدو صوتك والمرة التانية انه نسبتهم من الأصوات راح تقل نسبة الى قاعدة اكبر من المصوتين، وهيك عمليا احتمالات نجاحهن بتقل كثير.


انا اتوقع انه خيار الورقة البيضاء راح يأدي الى خروج الاحزاب العربية قصريا من اللعبة السياسية (كخيار شعبي للناس) وراح يحتم عليهم التفكير في طروحات جديدة ما اخدوها بجدية لحد اليوم وهاد راح يخلق اجواء سياسية مختلفة تماما عن الاجواء اللي تعودنا عليها وراح يمكن يخلق ايشي جديد يتلائم مع روح الفترة وتطلعاتنا كشباب وكمجتمع.

وللنهاية، الأمر الأهم من نجاح او فشل الأحزاب العربية بهاي الأنتخابات هو موقف اليسار الأسرائيلي\اليسار الصهيوني. اذا اليسار الأسرائيلي الصهينوني بعد سنتين من ما يسمى ب "الأحتجاح الاجتماعي" بالشارع الأسرائيلي ما نجح بالأنتخابات معناه راحت علينا، عيدّت. وفي كل الحالات هاد لا بتعلق لا فيك ولا فيي ولا في وجود الأحزاب العربية او عدم وجودها بالبرلمان.

فاما بتصوت ورقة بيضاء أو بتصوت يسار صهيوني أو ما بتصوت شيلي أو بتطلع وبتصوت للأحزاب العربية لانه هياه السلام واقف علىى الأبواب بس لو نمسك فيه احنا وبعد ما تصوت بتفاؤل بترجع ثاني يوم بتستاء وبتقوم اليوم اللي بعده مستاء وبتضلك مستاء لحد ما تيجي الأنتخابات الجاي.

اما بالنسبة للبدائل والطروحات الجديدة التي لم تناقش بجدية - فمنها اقامة نظام تمثيلي عربي موازي للبرلمان الأسرائيلي وطبعا يتوجب مناقشة الفكرة للعمق ومناقشة علاقة هذا النظام مع مؤسسات الدولة ومع البرلمان وغيرها وغيراتها... لكن هذة الأقتراحات منتركها للي دارسيين علوم سياسية خليهن يجونا بأقتراحات عينية نختار منها الخيار الأفضل والأنسب لحاجيات هالبشر وطموحاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق