هل الحرية هي التي تقتل النساء أم الحرية هي التي تخلصهن؟

"الحرية الزائدة تقتل النساء" – هذا ما تدعيه أحدى قريباتي، لتعليل مسلسل قتل النساء الغير متناهي. "خروجهن للجامعات وتعاملهن مع الحرية بشكل خاطئ هو الذي يفقد الرجال عقولهم ويؤدي بهم الى قتلهن". الرسالة المبطنة لهذا الادعاء لا تربط القتل بالشرف بفهومه التقليدي، انما تربطه بالمفهوم السطحي لكل تصرف غير لائق للنساء. فأن "الخروج للجامعة والحرية الزائدة والعمل " هي اللتي تفقد الرجال عقولهم وتؤدي بهم الى قتل النساء. لكن ما تغفل عنه قريبتي هو ان النساء تقتل نتيجة العنف داخل العائلة ولا علاقة لتعليمها الجامعي أو عدمه بذلك وكذلك لا علاقة لعملها خارج المنزل أو عدمه بذلك. وتتفق معي قريبتي ان حالات العنف العائلي التي نعلم بتفاصيلها عن قرب، حيث للأسف الشديد تقع ضحيتها أكثر من واحدة من قريباتنا او صديقاتنا أو معارفنا، تؤدي في كثير من الأحيان بالنساء الى دفع حياتهن ثمن هذا العنف، ربما عمداً وربما بضربة خاطئة لم يقصد لها ان تكون قاضية.

وتتفق معي قريبتي بأنه في حالة لاسمح الله قتلت أي من قريباتنا أوصديقاتنا أومعارفنا فأن لا علاقة لذلك بأي شرف او حرية زائدة، والملوم الوحيد هو الزوج الذي من سؤ حظها أقترنت به والأفضل لها ان تبتعد عنه بأسرع وقت وأن تخرج من البيت اليوم قبل الغد. ولا تتفق معي قريبتي على أن الخمسين حالة قتل للنساء في السنة الأخيرة حدثت على خلفية مشابه، عنف داخل المنزل، وتصر على ان حالة قريباتنا وصديقاتنا ومعارفنا هم حالة الأقلية، وتصر ايضاً على أن الأغلبية لا بد وتصرفن بشكل مخالف للعرف والأخلاق أفقد الرجال عقولهم فقتلوهم. فمن نعرف تفاصيل وحثيثيات حياتهن فلا شبهة بشرفهن اما النساء عامة فمنتهكات وموصومات بقلة الشرف.

وبينما تصر قريبتي بأن الحرية الزائدة هي التي تقتل النساء فبأعتقادي أن الحرية الناقصة هي التي تقتلهن. فقريباتنا وصديقاتنا ومعارفنا نجون من موت عشوائي محتم بفضل قدرتهن على الخروج من قفص العنف القاتل. خروجهن ذلك تم بفضل قدر من الحرية توفرت لهن معنوياً ومادياً، ربما من عائلاتهم المقتدرة نوعاً ما أو من قدرات ذاتية لكن لولا القدرة على الخروج من قفص العنف الأسري التي تتوفر غالباً بفضل التعليم والعمل والأستقلال الأقتصادي ، لربما وجدن مصيرهن كالخمسين الأخريات التي لم يحالفهن الحظ بذلك!

كيف تدخل النساء الى هذا القفص وكيف تخرج منه، وهل الحرية الزائدة تدخلهم اليه والحرية الناقصة تخرجهم منه أم العكس تماماً؟!!!
تتخذ غالبية النساء قرار الزواج تحت ظروف قاهرة. فأولاً عليهن حسم الموضوع خلال السنوات الأولى لربيعهن العشرين، "فمع العمر تقل أحتمالاتهن وما لم تحظين به مبكراً لن تحظين به لاحقاً". ثانياُ تتخذ النساء قرارهن تحت ظروف اقتصادية قاهرة فأن 50% من المجتمع العربي يعيش تحت خط الفقر وال50% الأخرون بمقربة منه، وما بين 70-80% من النساء العربيات غير عاملات بكلمات أخرى ليست لديهن أي أمكانية لحياة أقتصادية مستقلة فأما تكون عبئ على العائلة المنهكة أقتصادياً أو تكون أسيرة الزواج الذي قد يتحول بكابوسٍ الى قفص ودوامة عنف لامتناهية.
ظروف أقتصادية بأمكانها أن تأخذ من المرأة حريتها وظروف أقتصادية بأمكانها ان تعيدها اليها. عدم أستقلال المرأة أقتصادياً يقلل من حريتها ومن أمكانيات اختيارها ويزيد من أحتمالات أسرها في قفص العنف الأسري. أما النساء اللتي "عندهن ظهر" أي عائلة تدعمهن معنوياً وأقتصادياً أو النساء التي "تصب أياديهن على رؤوسهن" أي يوجد لديهن أستقلال أقتصادي يمكنهن من حياة مستقلة نوعاً ما فأحتمالاتهن للنجاة بحياتهن تزيد عن أولائك المعدومات.
وتكتب د. منار حسن في أحدى مقالاتها عن دور "القيل والقال" في التمهيد للقتل، فتقتل النساء وتدعين أخريات بأنها الحرية – فتحولن الحرية الى عار والجريمة والأسر الى شرف - فهل هي الحرية التي تقتل النساء أم الحرية هي التي تخلصهن؟!

© حقوق النشر محفوظة
نسرين مزاوي - محاضرة ومستشارة في مجالي التنمية المستدامة والجندر، حاصلة على اللقب الأول في علم الأحياء واللقب الثاني في أدارة موارد بيئية وطبيعية.

هناك 7 تعليقات:

  1. شكرا نسرين على الرد اللاذع بخصوص مسألة قتل النساء. لكن أود أن أشير الى أمرين:
    1. مهم جدا التطرق لما تقوله قريبتك وأقراباءنا وجاراتنا وعائلاتنا وأخذ كلامهم بعين الإعتبار بجديه وطبعا هذا ما فعلتيه في ردك وتحليلك لها. فعادة ما نهمش كنسويات أراء نساء مجتمعاتنا ولا نعطيها الأهمية في أولاً تحديد حياتهن وصورتها وتانية نأثيرها على الحياة المجتمعية العامة.
    2. أود أن أقترح ليس فقط التساؤل حول دور خطاب الحرية هل هو بالحقيقة مؤثر أو أن خطاب الحرية الشائع في هذه الحالات هو مفهوم يختلف عن مفهومنا المحلي. يعني هل معنى الحرية الشائع يختلف عن مفهوم الحرية النيو-لبرالية والرأسمالية والغربية؟ هل هنا الحرية تعني التغيير أو تحدي السلطة أو مؤسسات إجتماعية ذكورية؟

    ردحذف
  2. شكرا نيروز

    بأعتقادي ان احدى التحديات امام النسويات في البلاد وعامة هي ان تسمع ما تقوله النساء الأخريات وان تحاول التغيير من خلال محاورة ما تقوله وليس من محاولة نفيه أو تجريمه

    وعندما نقول صمتك تصريح قتل أو صمتك جريمة (شعارات المظاهرة الأخيرة) فنحن نخطئ الهدف لأنه اصلاً بأعتقاد النساء الصامتات ان الحرية هي الجريمة والقتل مشرع

    وبالفعل مثير للأهتمام ما هي الميكانيكيات والمنطلقات والمفاهيم الثقافية الأجتماعية التي تحول حرية النساء الى جريمة

    ومن الواضح بأعتقادي انها تختلف عن الحرية بمفهومها التقليدي الغربي أو ربما هي ذاتها فأذا تبنتها النساء فما هو الا انتصار الغرب على الشرق فيثير فينا الغرائز والنزعات المحافظة وتبقى المرأة رمز لشرف المجتمع تقتل لأجله ويعلل بشرفها!

    وفي محاولة لفهم هذة الميكانيكيات التي تحول الحرية "النيوليبرالية الرأسمالية الغربية" في حالة النساء الى جريمة ربما يكفي محاولة أعادة قرأة صفات هذة الحرية المدونة بين هلالين فأن تبناها رجال كانت نجاحاً وأن تبنتها نساء فما هي ألا أنتصار الغرب على الشرق فيثير فينا الغرائز والنزعات المحافظة وتبقى المرأة رمز لشرف مجتمع مهدد وقد تقتل لأجل شرفه بعلة شرفها!!!

    وتعيدني هذة الرمزية الى رمزية النساء في اليابان العصرية ما بعد الحرب العالمية الثانية. فمن أهم الطقوس اليابنية هو طقس البلوغ، حيث يحتفل بشكل جماعي في بداية كل سنة بكل من بلغ الثامنة عشرة فتزين الشوارع وتعقد المهرجانات والأهم من كل التحضيرات والأحتفالات هو الكومونو – وهو اللباس التقليدي للمرأة اليابانية.

    يرتدي الرجال لهذة الطقوس بزتهم الرسمية العصرية – بدلة وقميص وغرافاة – التي أستبدلت الزي التقليدي الذي أعتاد الرجال ارتدائه قبل الحرب. أما النساء فترتدي الكومونو، وهي زي نسائي تقليدي باهظ الثمن تقوم العائلات بالتوفير لشرائه سنوات وسنوات، وقد طلبت بعض الشابات من والديها أستبدال الكومونو بسيارة جديدة يشتروها لها عوضاً عن زي تلبسه ليوم واحد، الا أن اليابانيين يرون بعدم لبس الشابة للكومونو في طقس البلوغ أهانة عظمى وعلى هذا فحتى الفقراء منهم يقومون بمجهود أقتصادي خاص حتى وأن أثقل على كاهل العائلة الاقتصادي عدة سنوات بعد ذلك. وعملية لبس الكومونو هي عملية شاقة جداً تحتاج الى مساعدة مهنية تتلقاها الشابات في الصالونات حيث تصفف شعرها وتتزين ومن ثم تنتقل الى أستوديو التصوير، حيث يقوم الأهل فيما بعد بأرسال صورة أبنتهن بالكومونو لكل الأقرباء والأصدقاء ليشهد العالم بأن أبنتهم لبست الكومونو وحافظت على مكانة العائلة وعلى "شرفها"!!

    وأذا حاولنا النظر الى رمزية اللباس، فنرى الرجال يرتدون البدلة العصرية العقلانية التي ترمز الى الحداثة الرأسمالية النيوليبرالية والى دخول الشباب الى عالم الأعمال الأقتصادي والسياسي. أما النساء فتقع على كاهلها صيانة رموز وتقاليد المجتمع الياباني المهدد. وبشكل مشابه تجد النساء العربيات نفسها ضحية صيانة المجتمع المهدد بحداثة عصرية رأسمالية نيوليبرالية بوستكولونية، ويتحول خروج المرأة الى الجامعة والعمل الى حرية زائدة قد تؤدي الى قتلها المشروع.

    وليس لهذا التحليل سلب النواحي الأخرى الاقتصادية أو السياسية أو الأجتماعية أنما هو محاولة لفهم الميكانيكيات التي تحول الحرية الى جريمة والجريمة الى شرف فتقتل النساء على شرف المجتمع ويدعي المجتمع والعديد من نسائه بأن الحرية الزائدة هي التي قتلتها!!!

    ردحذف
  3. طبعا اوافقك الرأي. بنظري يجب بحث ومناقشة ما هي ال"حرية الزائده" التي تقتنصها النساء وتسبب في قتلهن. يعني هل هي التعليم؟ هل هي رخصة السياقه؟ هل هي رفض الزواج من رجل لا ترغب المرأه فيه لانها تحب أخر! وطبعا هذه ما دائما أتسائله هل هؤلاء النساء (والرجال) يعدن ويكررن كلاما قد سمعوه من أخرين أو بالفعل هنالك تفكير عميق في هذه الأجوبه؟
    في مقابلة مع رنا الحسيني كاتبة وصحفية أصدرت كتابا بعنوان "قتلت بأسم الشرف" في اللغه الانكليزية، تتحدث عن المراسيم التحضيرية التي فيها يتم تحضير الأخ او الابن للقتل, وهي ليست "طبيعيه" أو "غريزيه". هنالك اجتماع فوري واجماع على من يكن القاتل وبعدها "تهييج" القاتل للفتل وتشجيعه بانه سوف يدخل السجن بطلا ويخرج منه بطلا. وطبعا في الكثير من الحالات الشاب يقتل اخته التي لعب معها كل صغره وبخرج من السجن مع مشاكل نفسية كبيره، والوضع اليوم في الاردن مثلا هنالك أباء يرفضون تزويج بناتهن لشاب قد خرج من السجن كقاتل!

    ليست كل حالات القتل فيها اتخاذ قرارات واجتماعات لكن حالات القتل التي نراها اليوم ومؤخرا نابعه عن عنف واحباط وسلطويه، لكنه يزيين ان صح القول بوصمة "شرف العائله" التقليدي الذي "نعرفه" ("ونعرّفه")! نرى اليوم أكثر رجالا يقتلوا نساءهن وسبب هذه العنف هو سلطه وسيطره...لكن تبقى نساء ورجال المجتمع على الرأي أن سبب القتل "الحرية الزائدة"!
    برأي تغييرت نوعية واسباب قتل النساء وتغييرت هوية القاتل- أزواجا اكثر- وهوية المقولات- كثير منهن امهات لاطفال لم يتعدو العاشره من العمر!-
    هل حقا هنالك تغيير وإن صح القول أن هنالك تغيرات في نوع القتل والديناميكيات المهيئه له كيف يفسر هذا التغيير.

    ردحذف
  4. luna khoury9/2/10 21:37

    hi Nesren I dont know if you remember me maybe you remember , I know you from the women Democratic movement Im Samira's khoury granddaughter , my name is luna khoury-assal I live in canada now , sorry because i write in english I dont have arabic word in my computer so its the only language i can write. you know i used to write many peoms and many articles before about this subject and you are absolutly right and i believe that we should work on the girls and teenagers in young age to prevent this agly habbit in the future , we should ingourage the young age and give them all the lectures and the informations about this habit and like you said if the woman cant work it may effect her family life and the young age must know that so if we can make a difference in one girl or teenager to let her know the facts she cant affect and maybe then it will be our achievement , she can affect on her family on her friends , so if we can work on the young age i think it can reduce this agly habit in the future.

    ردحذف
  5. Freedom kills women. The freedom of some men to believe that they have the right to punish for acts they perceive as wrong and disgraceful.


    Freedom saves other women.
    Those, who are privileged enough to stand up, speak, and leave their miserable lives.


    Freedom is not an absolute term.
    Most women are not yet privileged enough to save their lives, especially when they are not under any threat for their lives.

    Once our culture and society, women and men, children and adult, will learn how to confront the daily emotional death and killings, only then the physical killing could ever stop.

    ردحذف
  6. hi luna
    i remember you :)
    thank you for the comment
    i agree

    ردحذف
  7. oh the way Angelique describes it is fascinating. It reflects some of the complexity layers of freedom and the way we women negotiate this freedom.

    ردحذف